أَيا لَيلَ ما للصُبحِ منكِ بعيدُ
وإِنّي لَمحزونُ الفؤادِ عميدُ
أُراعي نجومَ اللَيلِ سهرانَ باكياً
قَريحَ الحشا منّي الفؤادُ فَريدُ
بِحُبِّكِ يا لَيلى اِبتليتُ وإِنَّني
حليفُ الأَسى باكي الجفونِ فقيدُ
لَقَد طالَ لَيلي واستهلت مدامعي
وفاضت جفوني والغَرامُ يزيدُ
أكابِدُ أحزاني وناري وحرقَتي
ووصلُكِ يا لَيلى أُراهُ بعيدُ
لَقَد عيلَ صبري من غَرامي ووِحدَتي
وعظمِ اشتياقي هائمٌ ووحيدُ
فهل مسعدٌ لي في الّذي قَد أَصابني
وفي سهري والعالمون رقودُ
عسى الطَيفُ يأتيني ومن يغف ساعةً
ومن يلقَ صبراً والعذابُ شديدُ
ألا لَيتني قَد متُّ شوقاً ووحشةً
فَشوقي وحزني لا يزال جديدُ
أَلا فَاذكري ما قَد بقي من حشاشتي
فَقَد حان موتي والمماتُ أُريدُ
***
تذكرت ليلى و السنين الخواليا
و أيام لا نخشى على اللهو ناهيا
و قد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
لحى الله أقواما ً يقولون إننا
وجدنا طوال الدهر للحب شافيا
قضاها لغيري و ابتلاني بحبها
فهلا بشئ غير ليلى ابتلانيا
فيا ربي سو الحب بيني و بينها
يكون كفافا ً لا علي و لا ليا
و لا سميت عندي لها من سمية
من الناس إلا بلِ دمعي ردائيا
فإن تمنعوا ليلى و تحموا بلادها
علي فلن تحموا علي القوافيا
قضى الله بالمعروف منها لغيرنا
و بالشوق مني و الغرام قضى ليا
أعد الليالي ليلة بعد ليلة
و قد عشت دهرا ً لا أعد اللياليا
و أخرج من بين البيوت لعلني
أحدث عنك النفس بالليل خاليا
أرني إذا صليت يممت نحوها
بوجهي و إن كان المصلى ورائيا
و ما بي إشراك و لكن حبها
و عظم الجوى أعيا الطبيب المداويا
أحب من الأسماء ما وافق اسمها
وأشبهه أو كان منه مدانيا
خليلان لا نرجو اللقاء ولا نرى
خليلين إلا يرجوان التلاقيا
وقائلة وا رحمتا لشبابه
فقلت أجل وا رحمتا لشبابيا
وددت على طيب الحياة لو أنه
يزاد لليلى عمرها من حياتيا
يقولون ليلى بالعراق مريضة
فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
تمر الليالي و الشهور ولا أرى
غرامي لها يزداد إلا تماديا
فيارب إذا صيرت ليلى هي المنى
فزني بعينها كما زنتها ليا
وإلا فبغضها إلي وأهلها
فإني بليلى قد لقيت الدواهيا
خليلي إن ضنوا بليلى فقربا
لي النعش والأكفان واستغفرا ليا
***
لا تُقِـمْ وَزْنـاً لفِعْلـي أو تُـبـالِ بِمَـقـالـي
فالهَـوى أوْدى بِعَقْلـي والجُنونُ صـارَ حالـي
في قُدومي في انْسِحابي في مَقامي في ارْتِحالي
في نَهاري في مَنامـي في اعْتِكافي في انْشِغالي
دائِـمُ الهَذَيـانِ نُطْقـي دائِـمُ الهَيَجَـانِ بالـي
لَمْ يَعُدْ في اليَـدِّ حِيلَـةْ خانَني حَـدُّ احْتِمالـي
كُنْـتُ أمْتـازُ بِعَـقـلٍ فـاقَ أوْزانَ الجِـبـالِ
صَابَني سَهْمٌ في رَأسي وأنـا غَـضُّ الخَيـالِ
أنتَ مَـنْ دَمَّـرَ عَقلـي ورَماني فـي اعتلالـي
أنـتَ دائـي و دوائـي أنتَ خَمْـري وغِلالـي
قَدْ جَعَلْتُ الحُبَّ نَهْجـاًً وتَسَرْبَـلْـتُ ظِـلالـي
ومَشَيْتُ إلى حُصونِـكْ لا أُفَـكِّـرُ لا أُبـالـي
فتَحَـمَّـلْ وِزْرَ فِـعْـلٍ وتَحاشى فـي اللَيَالـي
أنْ تُهاجِمُـكَ عُيونـي بِرَفيـفٍ مِـنْ نِـبـال
أو تُحاصِـرُكَ شِفاهـي بِلَهـيـبٍ وابـتـهـالِ
فتَحامى مِـنْ عُيونـي خَلْـفَ جُـدرانٍ عـوالِ
واوْصِدِ الأبـوابَ حَتّـى تَتَّقـي شَـرَّ انفِعالـي
إنَّمـا دَعْنـي أُغَـنّـي بَعضَ ألحـانِ خِبالـي
واقفـاً تَحْـتَ النَوافِـذْ أو أسيراً فـي الحِبـالِ
لَيـسَ للعَقـلِ مَـكـانٌ فـي مَتاهـاتِ الجَمـالِ
***
خذوا بدمي ذات الوشاح فإنني
رأيتُ بعيني في أناملها دمي
أغار عليها من أبيها وأمها
ومن خطوة المسواك إن دار في الفم
أغار على أعطافها من ثيابها
إذا ألبستها فوق جسم منعم ِ
وأحسد أقداحا تقبلُ ثغرها
إذا أوضعتها موضع المزج ِفي الفم
***
تغلغل حبُّ عثمة في فؤادي
فباديه مع الخافي يسيرُ
تغلغل حيث لم يبلغ شرابٌ
ولا حزنٌ ولم يبلغ سرور
شققت القلب ثم ذررت فيه
هواكِ فلِيمَ فالتأم الفطورُ
أكادُ إذا ذكرت العهد منها
أطيرُ لو أن إنساناً يطيرُ
غنيّ النفس أن أزداد حباً
ولكني إلى صلة فقيرُ
وأنفذ جارحاك سواد قلبي
فأنت عليّ ماعشنا أميرُ
***
امرؤ القيس
حجازيةُ العينـينِ مكّـِيةُ الحــشا
عراقـيَّةُ الأطرافِ روميّــةُ الكَــفلْ
تُـهاميّــَةُ الأبـدانِ عبسـيَّةُ اللَّمَى
خِـزاعـــيـَّةُ الأســــنانِ دُريَّةُ القُــبلْ
وقلتُ لـها أيُّ القبائـلِ تُنسـبي
لَعلّي بينَ النّاسِ في الشِّعرِ كَي أَسَلْ
فـــقالت أنـــا كـنـديّـــةٌ عربـيّةٌ
فقلتُ لــها حاشـا وكـلا وهَـل وبَـلْ
***
جميل بن المعمر
ديـار ليـلى إذ نحلّ بهـا معـا
وإذ نحن منها بالمودّة نطمـع
إلى الله أشكو لا إلى الناس حبها
ولا بد من شكوى حبيب يروّع
ألا تتقيـن الله فيمـن قتلـتـه
فأمسى إليكم خاشعـا يتضـرّع
فإن يك جثمـاني بأرض سواكم
فإن فـؤادي عندك الدهر أجمع
ألا تتقين الله في قتـل عاشـق
لـه كبـد حرّى عليـك تقطّـع
***
ولقد دخلت على الفتاة الخدر في اليوم المطير
الكاعب الحسناء ترف لفي الدمقس وفي الحرير
فدفعتها فتدافعت مشي القطاة الى الغدير
ولثمتها فتنفست كتنفس الظبي الغرير
فدنت وقالت يامنخل ما بجسمك من حرور
ماشف جسمي غير جسمك فاهدئي عني وسيري
وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري
***
خَلِيليَّ زُورَا قبل شَحطِ النَّوَى هِندَا
وَلاَ تَأمَنَا مِن دَارِ ذِي لَطَفٍ بُعدا
ولاَ تَعجَلاَ لَم يَدرِ صَاحِبُ حَاجَةٍ
أَغَيًّا يُلاَقِي فِي التَّعَجُّلِ أَم رُشدَا
ومُرَّا عَلَيهَا بَارَكَ الله فِيكُما
وَإن لَم تَكُن هِندُ لِوَجهَيكَما قَصدَا
وَقُولاَ لَهَا لَيسَ الضَّلالُ أَجَازَنَا
ولَكنَّنَا جُزنَا لِنَلقَاكُمُ عَمدَا
غَداً يكثُرُ الباكُونَ مِنَّا وَمِنكُمُ
وتَزدَادُ دارِي مِن دِيَارِكُمُ بُعدا
***
أَلاَ أَبلِغَا هِنداً سَلامِي وَإِن نَأَت
فَقَلبِي بِها مُذ شَطَّتِ الدَّارُ مُدنَفُ
وَلَم أَرَ هِنداً بَعدَ مَوقِفِ سَاعَةٍ
بِأَنعَمَ في أهلِ الدِّيَارِ تُطَوِّفُ
أَتَتَ بَينَ أَترَابٍ تمايَسُ إِذ مَشَت
دَبِيبَ القَطَا أَوهُنَّ مِنهُنَّ أَقطَفُ
يَبَاكِرنَ مِرآةً جَلِيًّا وَفَارَةً
ذَكِيًّا وبالأَيدِي مَدَاكٌ وَمِسوَفُ
أَشَارَت إلَينَا في حَيَاءٍ ورَاعَهَا
سَراةَ الضُّحَى مِنِّي عَلَى الحَيّ مَوقِفُ
وقالت تَبَاعَد يَا ابنَ عَمِّي فَإِنَّنِي
مُنيِتُ بِذِي صَولٍ يغارُ ويَعنُفُ
***
فَارَقتُ هِنداً طَائِعاً فَنَدِمتُ عِندَ فِرَاقِهَا
فَالعَينُ تُذرِي دَمعَهَا كَالدُّرِّ مِن آماقِهَا
مُتَحَلِّباً فَوقَ الرِّدَا ءِ يُجُولُ مِن رَقراقِهَا
خَودٌ رَدَاحٌ طَفلةٌ وَاُسَرُّ عِندَ عِنَاقِهَا
***
لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي
بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلا ً يا جميل و إنني
لأقسم ما لي عن بثينة من مهل
و لو تركت عقلي معي ما طلبتها
و لكن طلابيها لما فات من عقلي
إذا ما تراجعنا الذي كان بيننا
جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل
فيا ويح نفسي حسب نفسي الذي بها
و يا ويح أهلي ما أصيب به أهلي
أراني لا ألقى بثينة مرة
من الدهر إلا خائفا ً أو على رحل
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما
قتيلا ً بكى من حب قاتله قبلي
فإن وجدت نعلٌ بأرض مضلة
من الأرض يوما ًفأعلمي أنها نعلي
***
أرى كل معشوقين غيري و غيرها
يلذان في الدنيا و يغتبطان
و أمشي و نمشي في البلاد كأننا
أسيران للأعداء مرتهنان
ضمنت لها ألا أهيم بغيرها
و قد وثقت مني بغير ضمان
***
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بوادي القرى إني إذا ً لسعيد
و هل ألقين فردا ً بثينة مرة
تجود لنا من ودها و نجود
علقت الهوى منها وليدا ً فلم يزل
إلى اليوم ينمى حبها و يزيد
و أفنيت عمري بانتظاري وعدها
و أبليت فيها الدهر و هو جديد
***
لو تعلمين بما أجن من الهوى
لعذرت أو لظلمت إن لم تعذري
لاتحسبي أني هجرتك طائعا ً
حدث لعمرك رائع أن تهجري
يهواكي ما عشت الفؤاد فإن أمت
يتبع صداي صداك بين الأقبر
يا ليتني ألقى المنية بغتة ً
إن كان يوم لقائكم لم يقدر
ما أنت و الوعد الذي تعدينني
إلا كبرق سحابة لم تمطر
***
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا
قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت
و مسّا ترابا ً كان قد مس جلدها
وبيتا و ظلا حيث باتت و ظلت
و لا تيأسا أن يمحو الله عنكما
ذنوبا ً إذا صليتما حيث صلت
و ما كنت أدري قبل عزة ما البكا
ولا موجعات القلب حتى تولت
أريد الثواء عندها و أظنها
إذا ما أطلنا عندها المكث ملت
يكلفها الغيران شتمي و ما بها
هواني ولكن للمليك استذلت
وكنا سلكنا في صعود من الهوى
فلما توافينا ثبتُ و زلـّت
و كنا عقدنا عقدة الوصل بيننا
فلما تواثقنا شدت و حلت
و إني و تهيامي بعزة بعدما
تخليت مما بيننا و تخلت
لكالمرتجي ظل الغمامة كلما
تبوأ منها للمقيم اضمحلت
كأني و إياها سحابة ممحل
رجاها فلما جاورته استهلت
فأن سأل الواشون فيم هجرتها
فقل نفس حر سليت فتسلت
***
ولقد لقيت على الدُريجة ليلة
كانت عليك أيامنا و سعودا
لاتغدرنّ بوصل عزة بعدما
أخذت عليك مواثق و عهودا
إن المحب إذا أحب حبيبه
صدَق الصفاء و أنجز الموعودا
الله يعلم لو أردت زيادة ً
في حب عزة ما وجدت مزيدا
رُهبان مَديَنَ و الذين عهدتهم
يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها
خروا لعزة ركعا ً و سجودا
***
يزهدني في حب عزة معشر
قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي و ما اختار و ارتضى
فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب
و ما تبصر العينين في موضع الهوى
و لا تسمع الأذنان إلا من القلب